اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129326 مشاهدة
التفكر في آيات الله الكونية ترسخ الإيمان بالغيب

...............................................................................


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مر بنا أدلة كثيرة تحث المسلم على أن يتفكر في آيات الله، ويتعقل معاني ما أمر الله به، وأن التفكر والتذكر يفتح البصيرة وينور القلب ويثبت العقيدة، ويكون أكبر دليل على أحقية هذا الدين وما اشتمل عليه من الحكم والأحكام، ففي مثل قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ بدأ بتذكيرهم أن يتفكروا في أنفسهم، وذلك لأن نفس الإنسان أقرب شيء إليه، فلو تفكر فيها لرأى فيها عجب العجاب؛ ولأجل ذلك يقول الله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أي: وفي أنفسكم آيات للموقنين. أي دلالات تدل من تفكر فيها على اليقين على علم اليقين بحيث يكون الغائب عنده كالمشاهد.
إذا تفكر الإنسان حق التفكر في آيات الله تعالى الكونية، فلا بد أن يعرف ويوقن صحة ما أخبر ربه به من الغيب، فيؤمن بالغيب إيمانا يقينيا، وذلك لأن الله تعالى بدأ صفات المؤمنين بالإيمان بالغيب في قول الله تعالى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ بمعنى أنهم يتفكرون في الآيات الكونية التي بين أيديهم، فيحملهم ذلك على أن يؤمنوا إيمانا صحيحا بما أخبر الله به وإن لم يروه، فيكون الغائب عندهم كالحاضر، ويكون جزما ويقينا ليس فيه شك وليس فيه تردد، هذا بلا شك هو وسيلته التفكر في آيات الله تعالى.
فمر بنا مثلا الأثر الذي يقول: إن الإنسان مثلا إذا تفكر في تليين مفاصله علم أنها لم تخلق إلا للعبادة، هذا أقل شيء يتفكر فيه أن يتفكر كيف لين الله تعالى مفاصله أي: جعلها تنقبض وتنبسط، فجعل أصابعه تنقبض حتى يقبض ما يريد، وتنبسط يعني يستطيع أن يمدها، وكذلك أيضا جعل يديه بها مفاصل، مفصل في المرفق ومفصل في المنكب، وكذلك أيضا جعل ظهره فيه هذه المفاصل، وكذلك بقية أعضائه وأضلاعه ونحوها فيها هذه المفاصل.
لا شك أن الله جعلها لأجل أن تلين عند العبادة، عند ركوعه وعند سجوده وعند مسيره في طاعة ربه وما أشبه ذلك؛ ولذلك يجب عليه أن يشكر ربه على ذلك ويعترف بفضله عليه.
ورد في حديث مشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن في الإنسان ثلاثمائة وستين مفصلا، وأن عليه أن يشكر الله تعالى في كل يوم بعددها، فيقول صلى الله عليه وسلم: يصبح على كل سلامى من الناس صدقة ... سلامى يعني: مفصل. أي في كل مفصل يصبح عليك فيه صدقة. في كل يوم تطلع فيه الشمس، ولكنه سبحانه يرضى من عباده بالقليل؛ فلذلك يقول: تعدل بين اثنين صدقة... أي: جعل هذا من الصدقات التي تخفف عنك فليس الصدقة فقط هي أن تتصدق بمال، ثم تعدل بين اثنين صدقة، وتعين أخاك على متاعه فترفعه على دابته فترفع عليها متاعه صدقة وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، فجعل هذا كله صدقة.
وكذلك أيضا أخبر بقوله: إن لكم بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل خطوة إلى المساجد صدقة فهذه من سبح الله تعالى وكبره بعدد المفاصل التي في أعضاء جسده كل يوم فقد شكر نعمة الله على هذا الخلق الذي خلقه عليه وإلا فإنه سيحاسب على شكر هذه النعمة، ولا شك أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم كما أخبر بذلك في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ وفي قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وأخبر بأنه كمل له ما يحتاج إليه في قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ .
فيحث الله تعالى عبده على أن ينظر في نفسه، وأن يعرف نعمة الله عليه، وأن يتذكر أن الذي خلقه على هذا الخلق لم يخلقه عبثا، ولم يتركه هملا؛ ولذلك يقول الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ يخاطب الكفار الذين يوبخهم وهم في النار بقوله تعالى: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا أتظنون أن إيجادكم في هذه الدنيا عبث.